الجريمة في الدراما.. نتائج «مضاعفة» للعنف في المجتمع

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


عهِدنا الدراما أنها مرآة للمجتمع، أحدى القوى الناعمة التى من شأنها رفع قيمه وأخلاقياته والنهوض به نحو مستقبل أوقى، وتقديم أعمال لها دور فى تربية النشء، ولامانع من تقديمها نماذج سلبية، ولكن للتنفير منها وتوضيح كيفية التعامل معها في سياق درامي يجذب المشاهد ويسلط الضوء على مشاكلها ونتائج أفعالها، إلا أنه أصبحت هناك الكثير من الأعمال الدرامية غير الهادفة، تقدم محتوى مليئ بالعنف والسلوكيات المنفرة والمشاهد الدموية.


انعكس الأمر بصورة كبيرة على المجتمع والشارع المصري، وانتشرت معدلات الجريمة وأعمال العنف، خاصة مع انتشار تلك الأعمال التى تقدم الجريمة مكتملة الأركان، وكأنها تدعو المشاهد للمحاكاة والتقليد، فأصبحنا نقدم الجريمة بكل تفاصيلها، وكيف استطاع المجرم تفادي الثغرات التى من الممكن أن توقع به، بل ونقدمه في صورة انسانية أخرى جيدة يتعاطف معها الجمهور.


ومن جانبها تقول دكتورة منال عبد الله أستاذ علم النفس أن هناك أنواع متعددة من العنف والقتل وغيرهم من الجرائم نراها عبر الشاشات أو السوشيال ميديا أو السينما، والمخ البشري في علم النفس يكون مبرمج على القدرة على المحاكاة والتقليد، وهذه القدرة من خلال المشاهدة تجعلنا لدينا مايسمى بـ "الخلايا المرآتية"، وهذه الخلايا تعكس كل ما نراه على الواقع، وتجعلنا نأخذ انطباع بأن هذا السلوك الذي نشاهده لابد أن ينفذ.


منوهة أن المشكلة في هذه المسلسلات هو سياقها الدرامي الذي يجعل المشاهد يتعاطف مع القاتل وليس الضحية، قائلة "مثل هذه المسلسلات تضع لنا السم في العسل، فهى توجِد صلة بين السلوك الذي نراه عبر الشاشة والسلوك العدواني الذى يمارس من خلال الحياة العادية". 


وأوضحت أستاذ علم النفس أن التعرض للعنف من خلال مشاهد العنف تجعل الإنسان يمارسه، ويعتاده ويتكيف مع مشاهدته، وبالتالي يصبح الشعور بضرورة اقتناء سلاح أو تعلم بعض الأساليب الإجرامية المختلفة التى نشاهدها في المسلسلات، لمواجهة الحياة التى باتت صعبة وعلى الانسان تعلم أسلوب الغابة ليتمكن من العيش فيها وأخذ حقه كما يشاهد فى هذه الأعمال.


"الفن أصبح لا ينقل مرآة المجتمع كما عهدناه" هذا ما تراه عبدالله مستكملة "بل بالعكس أصبحنا نقتبس منه ومن الدراما، وتنعكس هذه المشاهدات على الحياة الحقيقية، ولم تعد الدراما تؤدى دورها المنوط بها، حتى في حال عرضها قضية واقعية أو حادثة حدثت بالفعل، فلا تقدم معالجة درامية، ولكن تعطينا جريمة مكتملة الأركان بكامل تفاصيلها، وتعطينا سلوك وتعلمنا طرق وسبل لكيفية تنفيذ الجريمة".


مستكملة " ولم تعطينا الدراما في هذه الحالات وسائل أخرى لحل المشاكل، واستراتيجية لمعالجة هذا الاضطراب العقل أو النفسي الذي يتم عرضه على الشاشة، وقدمت الحل فى صورة جريمة، ومع تكرار المشاهدة لمثل هذه التفاصيل، يشعر الإنسان بالعجز والحزن والاعتقاد الدائم بأن العالم مكان غير عادل ومخيف، وبالتالي لابد أن أتعلم هذه السلوكيات لأتمكن من العيش فيه".


ولفتت دكتورة إيمان أن هناك هزات نفسية تحدث للمشاهد جراء هذه الأعمال، فهناك الكثير ممن يعانون هشاشة واضطرابات نفسية لا يمكنهم تحمل مشاهدة هذا الكم من الجرائم، فترتفع درجات العنف ويصبح السلوك العدواني وسلوك الجريمة أسهل بكثير مع تكرار مشاهدة مثل هذه المسلسلات.


معلقة على أن الدراما وسيلة اتصال قوية جدا تقدم حلول سهلة جدا، وهي للأسف عادة ما تقدم السياق الذي يجعلنا نتعاطف مع القاتل وليس الضحية، قائلة "معظم النسب المتواجدة فى الوطن العربي هي نسبة ليست كافية للوعي والتحصين والصلابة النفسية ضد هذه المشاهدات فيصبح الوقوع في تلك الأضرار كثير جدا".


وأضافت أنه بجانب كل تلك المشكلات والأثار الناتجة عن مثل هذه العمال الدرامية التى تجسد الجريمة بهذه الصورة البشعة على تلك الشاشة الصغيرة، فإن التأثير السلبي يمتد للعواطف الانسانية في مختلف العلاقات سواء بين الأزواج أو الأبناء أو الاخوة أو الأصدقاء أو أى نوع من العلاقات، فأصبحت الدراما أعمال تؤثر على الواقع وليست مرآة للواقع، وتقوم بهدم القيم والمبادئ والعلاقات الانسانية والمجتمع كله، وتخرجنا عن المألوف للمجتمع الذي نعيشه، وأن الظلم والقهر لا سبيل لمواجهته إلا بالقتل فتصبح هي القاعدة فى المجتمع.


مختتمة برسالة أرادت توجيهها للقائمين على الدراما "تجسيد الجريمة دون تقديم حلول ووسائل لمواجهتها أمر لايفيد" بل أنه يؤدى إلى زيادة العنف، ويصبح هذا السلوك سلوك حياتي بدلا من أن يكون سلوك ننفر منه ونستنكره".


اقرأ أيضا : استشاري علم نفس : التفكك الأسري هو «النواة» التى تنبثق منها أغلب الجرائم 

احمد جلال

محمد البهنساوي

ترشيحاتنا